ثقبٌ في العين | نصوص شعريّة

دير البلح

 

دير البلح

هذِهِ السماءُ الّتي فوقَ أرضِكِ أُصدِّقُها.

لا أعرفُ كيفَ صرْتِ أرضي وسمائي يا ديرَ البلح!

لا يضيّعُ الأزرقُ فيكِ أخضرَهُ إلّا نادرًا

وأنا لطالما أردْتُ فيكِ لو أضيع...

 

فيكِ ألِفْتُ رحلتي،

فيكِ ألِفْتُ حقًّا يقظتي،

وأنا لطالما أردْتُ فيكِ لو أنام.

 

يتساقطُ البلحُ مِنْ غيمِكِ على رأسي

كلَّ يومٍ أزورُكِ فيه

أصنعُ معَ أطفالِكِ وشبابِكِ الكعكَ،

سويًّا نمارسُ طقسًا عائليًّا

نكوّنُ فيهِ العيد!

 

الوحش

لا أدري، ربّما مرّتْ عشرةُ أيّامٍ أو أكثر

منذُ انتهتْ «آخِرُ حرب»

ولا يزالُ هناكَ شيءٌ ما خطأ،

قطعةٌ ما ليستْ في مكانِها،

كأنَّ ضيفًا ثقيلًا حلَّ على البيت،

كأنّهُ واحدٌ مِنْ قطّاعِ الطرق!

 

يا الله، عادَ الوحشُ

الّذي أمضيْتُ سنتينِ مِنْ عمرِنا أهادِنُهُ،

دمّرتِ الحربُ بيتَ الوحشِ قبلَ أنْ تغادرَ

البيتَ الّذي بنيتُهُ لَهُ بدموعي ورمادي،

وعادَ الوحشُ لينامَ في بيتي،

عادَ ليأكلَ ويشربَ مِنْ نومي.

 

عادَ الوحشُ الّذي كنتُهُ،

وحشُ الصوابِ والخطأ،

القطعةُ الّتي لا تعرفُ مكانَها،

الضيفُ الّذي أجدُهُ فجأةً في بيتي.

 

يا الله، ها أنا أقطعُ الطريقَ على الحياةِ

وأُدْلي بكلِّ شيءٍ:

أنا الوحشُ... أنا الوحشُ،

أدخلْني الآنَ زنزانتَك!

 

ثقبٌ في العين

تحيلُ عالمَنا إلى كومةِ رمادٍ

ويهزُّ عرشُكَ ثقب!

 

ثقبٌ في الجدارِ،

ثقبٌ في الأرضِ أيضًا،

ونجومُ السماءِ فوقَكَ

أغانينا على شكلِ ثقوب.

 

سيظلُّ مصيرُكَ مليئًا بثقوبٍ لَنْ تراها،

وحدَهُ شعبي يريك!

 

مِنَ الثقوبِ الّتي تصنعُها في أرواحِنا،

مِنَ الثقوبِ الّتي تصنعُها في ذاكرتِنا،

سنصنعُ ثقبًا في ردائِكَ تلوَ الثقب.

 

سنظلُّ نعرّيكَ

إلى أنْ ترتدي وحدَكَ الكفنَ،

سنظلُّ نعرّيك!

 

الحنينُ أبعدَنا

كيْ لا ننتحرَ كلُّنا

أو نستشهد...

صارَ بعضُنا يحلمُ ويسافرُ

ليسَ فقطْ دونَ وثائقَ محبّبةٍ برًّا وجوًّا

بلْ دونَ عناقٍ وصورةٍ أيضًا،

دونَ أدنى حاجةٍ إلى الأملِ

بلقاءٍ أو فراق.

 

سافرْنا في خيالِنا معَهُمْ مرارًا

إلى مصرَ وتركيّا وألمانيا وأمريكا

وبلدانٍ أخرى كثيرةٍ،

مرّةً عادوا معَنا،

مرّةً نحنُ بقينا.

 

سمعْنا أوتارَهم في الطريقِ تهمسُ

والفرحُ منّا ومنْهُمْ حزنًا يسيلُ:

نسيرُ حتّى نصيرُ،

نسيرُ حتّى نصير.

 

لمْ نَعُدْ نقدرُ على أنْ نسألَ عنْهُمْ

ربَّما الطمأنينةُ تكذبُ

ربَّما الأيّامُ لا تمضي

بلْ بِهِمْ كما بِنا

تلهو وتلعبُ

لا يعرفونَ، لا نعرفُ

أَكُلَّ هذا أبعدَنا الحنين؟

 

شعبي العظيم

لِمَنْ تطلبونَ الماءَ

وليسَ بينَكُمُ اتّفاقٌ

على مصيرِ البذرة؟

 

غزّة

كانَ على الكثيرِ مِنَ الأيادي التدخّلَ

لتمسِكَ بدبّوسٍ واحدٍ فقطْ

فيخلّفونَ غزّةَ عميقةً وراءَهُمْ

بهذا القدْرِ السافرِ مِنَ الوجع!

 


 

يحيى عاشور

 

 

شاعر من غزّة. درس علم الاجتماع وعلم النفس، يعمل في الحقل الثقافيّ وينشط في المجتمع المدنيّ. صدر له «لهذا ريان يمشي هكذا» (قصّة أطفال، 2021)، و«أنتَ نافذة هم غيوم» (شعر فتيان، 2018) عن «مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعيّ»، بالإضافة إلى إصدارات مشتركة. ينشر في عدّة منابر فلسطينيّة وعربيّة.